العلماء والخبراء يؤكِّدون:رياح التغريب تهدد استقرار الأسرة المسلمة
معنى التفكك الأسرى
وقد يتبادر إلى الأذهان أن الأسر المفككة هي فقط تلك الأسر التي لحقت بها حالات طلاق أو وفاة أو غياب لأحد الوالدين، ولكن الواقع يشير إلى أن كثيراً من الأسر التي تبدو متماسكة من الخارج، تكون غير مترابطة من الداخل.. فكل فرد من أفرادها في شأنه، ولا أحد يهتم بالآخر أو يقف إلى جانبه أو يدعمه!!
ولهذا التفكك الأسري الداخلي آثاره السلبية على الزوج والزوجة والأبناء؛ منها: فقدان الروابط الوجدانية بين الزوجين، مع عدم الرضا عن الزواج، وزيادة انتشار الأمراض النفسية من قلق واكتئاب واضطرابات (نفسية - جسدية).
وهذه الظاهرة تنعكس بشكل سلبي على الأطفال، وقد أجرى الباحثون بجامعة بنسلفانيا الأمريكية دراسة ميدانية شملت حوالي مائتي أسرة تضم أطفالاً ما بين الصف الأول والرابع الابتدائي؛ لتقييم مدى تأثير تصرف الوالدين وعلاقاتهما الأسرية على نمو الطفل، حيث وجد الباحثون أن ضغوط العمل والمشكلات الأسرية وما ينجم عنها من أزمات نفسية للأطفال يمكن أن تعرقل وسائل التواصل النفسي بين الأبوين وأطفالهم.
الأسر المفككة = شباب ضائع
وفي دراسة عنوانها: (الترابط الأسري وأثره في تكوين شخصية الشباب)؛ لاحظ الباحث السعودي (مندل القباع) أن نسبة 05% من عينة الدراسة غير راضية عن وضع الأسرة، و05% أفادت بأن ثمة شجاراً دائماً بين الأب والأم، وأن 23% لا يهتم بهم أحد في المنزل. وفي دراسة أخرى للأستاذ (حسن الساعاتي) وجد أن 4.76% من الأحداث الجانحين قد انحدروا من أسر مفكرة.
إذاً؛ فارتفاع نسبة الأحداث في المجتمع ينتج عن عدم وجود الأسرة الحاضنة، لكن ليس هذا هو الأثر الوحيد لهذه الظاهرة السلبية، بل إن هناك آثاراً تسري على المجتمع والأجيال مثل: خروج جيل حاقد على المجتمع، لفقدان الرعاية منه، وكثرة المتشردين، وانتشار السرقة والاحتيال، وتفشي الجريمة، وانتشار الرذيلة، وزعزعة الأمن والاستقرار، وعدم تماسك المجتمع في الملمات، وعدم الشعور بالمسؤولية، وانحطاط الأخلاقيات، وعدم احترام سلوك المجتمع وعاداته وأعرافه، الأمر الذي يؤدي إلى تدهور سمعة الأمة وهيبتها.
المناخ المتوتر
وعن أسباب انتشار التفكك الأسري أوضح الدكتور "محمود علم الدين" أستاذ ورئيس قسم الصحافة بكلية الإعلام - أن ازدياد التفكك الأسري من الناحيتين الكمية والكيفية معاً داخل المجتمعات العربية يعكس في حقيقة الأمر مناخاً اجتماعياً متوتراً، تتعدد فيه الضغوط الاقتصادية والاجتماعية، ومصادر الاستفزازات التي تحاصر الأفراد وتدفعهم إلى الغضب والإقدام على العنف، وعدم المحافظة على البناء الاجتماعي والعلاقات داخل الأسرة، ويعود هذا التحول إلى رياح التغريب التي تكاد تعصف باستقرار الأسرة العربية وخصوصيتها، إضافة إلى الانفتاح الجديد على العالم عبر الفضائيات والإنترنت ووسائل الإعلام العصرية.
أسباب تصدع البناء
ومن جانبه يؤكِّد د.فكري عبدالعزيز - أستاذ علم الاجتماع - أن انحراف الأبناء يعود في جزء كبير منه إلى غياب الأب، حيث اللامبالاة الشديدة من رب الأسرة تجاه أسرته وغيابه معظم الأوقات خارج منزله، وانشغاله بجمع المال لدرجة عدم معرفة أسماء المدارس التي يدرس بها أبناؤه أو الصفوف الدراسية التي وصلوا إليها أو التقديرات والدرجات التي يحصلون عليها.
ويضيف د.فكري عبدالعزيز، أن تصدع البناء الأسري يؤدي أيضاً في أحيان كثيرة إلى ارتفاع نسبة الطلاق، مما يتسبب بدوره في انحراف الأبناء، هذا إلى جانب الانحراف من الداخل حيث تنعدم القدوة كنتيجة طبيعية لإدمان الأب أو تدخينه السجائر، وقد تبين أن معظم جرائم السرقات بالنسبة للأطفال تتم بدافع المغامرة وتمثل انعكاساً للنزعة العدوانية والحرمان العاطفي الذي يعاني منه الطفل وليس الحاجة المادية.
ويؤكِّد د.فكري أن الفقر بدوره يتحمل جزءاً كبيراً من المسؤولية عن انحرافات الأبناء وتفكك الأسرة، فتحت ضغط الظروف الاقتصادية الصعبة يضطر الأب إلى السفر خارج البلد لتحسين دخله ليتمكن من توفير متطلبات أسرته المادية.
ولغياب الزوج مساوئ تطال كل فرد من أفراد العائلة ويكون العبء الأكبر على الزوجة حيث ستضطر للقيام بدور الأب والأم معاً وغالباً ما تفشل الأم في القيام بهذا الدور المزدوج.
الحرمان العاطفي
هذا، وتقول الدكتورة سامية الساعاتي - أستاذة علم الاجتماع بجامعة عين شمس -: إن قوامة الرجل تعني رعاية الأسرة، كما تعني المسؤولية، فدور الرجل في القيام برعاية أسرته كبير جداً، وهذا الدور يقتضي وجوده دائماً كي يطّلع على كل شيء ويعالج الأخطاء ويوجّه أولاده، فهو سند وحماية وقاعدة لهذا البيت، وغياب الرجل عن منزله فيه حرمان الأولاد والزوجة من الحنان والعاطفة والأمان، وهو أسوأ من حرمان الطعام، لأن الجوع العاطفي له تأثير سلبي على شخصية الإنسان أكثر من سلبيات الجوع الغذائي، ولذلك يجب أن يوجد الرجل بين أهله، وغيابه يُعد بمثابة إنذار بالضياع!!