معاً لمكافحة الإرهاب
د. عبدالعزيز بن فوزان الفوزان
الإنجاز الأمني الكبير الذي أعلنته وزارة الداخلية بالقبض على عدد من الخلايا الإرهابية المجرمة، التي تستهدف أمن هذا البلد واستقراره، وتدمير إنجازاته ومكتسباته، وتهديد بعض علمائه ورجال أمنه، كما أنه يدل على يقظة رجال الأمن البواسل، والجهود الكبيرة التي تبذلها الأجهزة الأمنية في محاربة هذه الخلايا الإجرامية، فإنه يدل كذلك على أن وراء هؤلاء المجرمين جهات خارجية، لا تفتأ تخطط لهم، وتمدهم بالمال والسلاح، وتجند لهم الأتباع من السذج والجهلة المتحمسين، وتغسل أدمغتهم، وتؤلبهم على أهليهم وإخوانهم، وتجعل منهم معاول هدم وتخريب لبلادهم ومجتمعاتهم، وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً.
كما يدل كذلك على أن الحل الأمني على الرغم من أهميته وعظيم أثره في قصم ظهور هؤلاء المجرمين وقطع الطريق عليهم، وحماية المجتمع من عدوانهم وإجرامهم إلا أنه غير كافٍ في قطع دابر هذه الفتنة وإماتتها، وإقناع المتهوكين فيها واستنقاذهم منها، بل لا بد مع ذلك من معالجات فكرية مقنعة، وبرامج علمية وتربوية مكثفة، لتوعية هذه العقول الساذجة، وتصحيح هذه الأفكار المشوهة، وكشف الشبهات المضللة، التي تعشعش في أذهان هؤلاء، وتدفعهم لإثارة هذه الفتن العمياء، وتقحُّم هذه الجرائم والمظالم الشنعاء!!
إن الأعمال الإجرامية، والسلوك العدواني الظالم، والتصرفات الشاذة المنحرفة إنما تنشأ في الغالب من فكر شاذ منحرف، وتصورات فاسدة، أو عاطفة طائشة، وحماس أهوج، وجهل وحمق، وقلة فقه وعمى بصيرة, وعدم نظر في مآلات الأمور وعواقبها.
وحينما يتفكر المرء في هذه الخلايا الإجرامية، وهذه العمليات الإرهابية الظالمة يتساءل بحرقة وألم: بأي عقل يفكر هؤلاء؟ وعلى أي منطق يستندون؟ وبأي حجة يتشبثون؟ وإلى أي شريعة يحتكمون؟ وأي مصلحة يستهدفون؟ وأي غاية يقصدون؟ حين يغدرون بالعهود، وينقضون المواثيق، وينتهكون الحرمات، ويرتكبون الجرائم والموبقات، ويدمرون المصالح والمكتسبات، ويروعون الآمنين والآمنات، ويشوهون صورة الإسلام وأهله، ويصدون عن سبيل الله وهم يزعمون نصرة دين الله، والانتقام للمستضعفين من المسلمين!!
إنهم يقتلون إخوانهم المسلمين، ومن دخل في ذمتهم من المعاهدين والمستأمنين، يسفكون الدماء المعصومة، ويسترخصون النفوس المصونة، ويستهترون بالحياة الإنسانية الكريمة.. يفجرون ويدمرون، ويرعبون ويرهبون، ويؤذون ويظلمون، ويفتحون في الأمة جروحاً غائرة تضاف إلى جروحها النازفة في العراق وفلسطين وأفغانستان والشيشان...
يسعون جاهدين من حيث يشعرون أو لا يشعرون إلى إثارة الفتنة العمياء، وإشاعة الفرقة والفوضى، وإضعاف الأمة، وتفكيك صفوفها، وتمزيق وحدتها، وتهديم أمنها، وتدمير مكتسباتها، وانتهاك حرماتها، وإغراء أعدائها بها، وتسليطهم عليها وعلى استلاب خيراتها.
والعجب كل العجب أن تحدث هذه العمليات الإجرامية في أفضل البلاد، وخير البقاع، بل في قلب الأمة النابض، وقاعدتها الحصينة.. في بلاد الحرمين الشريفين، ومهبط الوحي، ومهد النبوة، ومنطلق الرسالة، ومأرز الإسلام، ومحط أنظار المسلمين!!
وأعجب من هذا أن الذي تولى كبر هذه الجرائم ونفذها هم من أبناء هذا البلد وأهله، الذين ترعرعوا في أكنافه، ورضعوا من خيراته، ودرسوا في معاهده ومدارسه، التي تتميز بصحة معتقدها، وسلامة توجهها، وتفوق مقرراتها ومناهجها، التي تؤكد على حفظ مقاصد الشريعة الإسلامية، وتعظم حق الحياة الإنسانية، وتحترم الدماء المعصومة، وتحث على حفظ الحقوق، ورعاية العهود، والوفاء بالعقود، وأداء الأمانات، واحترام ذوي الهيئات، وإعانة ذوي الحاجات، والرحمة بالإنسان وسائر المخلوقات.
وليس أدل على هذا الفكر المنحرف، والحماس الأهوج، والجهل والعمى، والبعد عن الرشاد والهدى من أن يضحي أحدهم بحياته، ويفجر نفسه في مجمعات سكنية أو تجارية أو صناعية، ليدمرها ويقتل من فيها من المسلمين وغيرهم، ومع ارتكابه لكل هذه المنكرات والقبائح فهو يظن أن عمله هذا جهاد في سبيل الله، وأنه يفعل ذلك تقرباً إلى الله، وطلباً للشهادة في سبيله. وهل هذا إلا من أبطل الباطل، وأنكر المنكرات، وأعظم الجهل، وأشد الظلم والغدر، وأكبر أنواع الجناية على الإسلام وأهله؟!! وليس هو والله من سبيل المؤمنين في قليل ولا كثير.
وما دامت هذه الأعمال الإرهابية الظالمة نتاج فكر منحرف، وعواطف طائشة لم تضبط بشرع حنيف، ولا بعقل حصيف، فلا بد من غسيل هذه العقول الملوثة، وتصحيح هذه الأفكار الشاذة المنحرفة، وضبط هذه العواطف الطائشة، والحماس الأهوج، وذلك بالعلم الشرعي الصحيح المؤسس على الكتاب والسنة وفهم سلف الأمة، وبتقوية الإيمان بالله والدار الآخرة، فإن العلم والإيمان هما صمام الأمان، وقيد الإرهاب والعدوان، والضمانة الحقيقية لتهذيب النفوس، وتزكية القلوب، وردعها عن ارتكاب الموبقات، وانتهاك الحرمات، وحثها على تعظيم حقوق العباد، وحفظ مصالحهم، ومحبة الخير لهم. وكما أنهما يمنعان من الاعتداء ابتداءً فإنهما من أعظم الأسباب المعينة على علاج هذه الظاهرة الخطيرة، وحمل من تلبس بشئ من ذلك على التوبة والإنابة، وعدم التكرار والمعاودة.