ناسجو بيت العنكبوت في واحة السراب
إنها أخّاذة للعقول ،وجذابة لنّفوس والأنظار،فما أجمل مظهرها ، وأبها صورتها ، وأقوى لمعانها ، أتدري ماهي؟
إنها الحضارة الإنسانية اليوم .لقد وصل التقدم العلمي و الصناعي إلى حد فتن فيه الإنسان ، بل جعله يصل إلى حد الغرور ، حتى أصبح يبحث عن الخلود في هذه الحياة ، فسبحان من علم الإنسان ما لم يعلم ، وسبحان من سخر له ما مكنه على الحياة على هذه الأرض . {أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُّنِيرٍ }لقمان20 .
لقد فُتن الإنسان بقدراته العقلية في فهم بعضاً من سنن الله تعالى في الكون مما جعله يشعر بقدرته على قهر الطبيعة وإذلالها!! ،وفتن بنتاجه التقني الذي جعل ما كان مستحيلاً بالأمس ممكناً اليوم ،فبلغ به الحال إلى المجادلة في الله تعالى والمحادة لشرعه ،ثم تجرأت طائفة من الناس على إنكار وجود الله سبحانه !!
وبعضهم أقام حياته على غير هدىًً من الله فإذا هو خصيم مبين لمن خلقه من عدم ،فنسي ربه الحكيم الخبير وقدم للبشرية مع الآلة التي منحت الإنسان خدمات ضخمة ، فوفرت له الجهد والوقت ، وأضفت لحياته متعة ورفاهية عجيبة ، قدم مع ذلك أفكاراً وأساليب للحياة زاعماً أنها تحقق أحلامهم في عيش حياة الحرية والطمأنينة !!
والمسلمون لله تعالى ظواهرهم وبواطنهم في كل حقب تاريخ البشرية ، هم أحد صنفين : إما مسهم في هذا النتاج البشري ، وإما مستفيد منه فيما يحقق الغاية من وجوده في الحياة ، وهم مع ذلك متميزون بإيمانهم ، ولكن هناك من المسلمين من قد يغتر بما وصل إليه الناس الذين لا يؤمنون بالله من تقدم ، وما حققوه من تقلب في الحياة ،فجاء البيان من الله تعالى : {لاَ يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُواْ فِي الْبِلاَدِ . مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ }آل عمران196-197 .
وإن من أعظم ما فتن به المسلمون اليوم قضية المرأة ، ففي الغرب حققت ما تريده ، ونالت حريتها !! وأسهمت في دفع عجلة الحضارة البشرية !! فلماذا لا تسهم المرأة في نهضة الشعوب المسلمة ، فتعمل كما عملت المرأة في تلك البلدان ؟
فأصبح في واقعنا اليوم من يزين خروج المرأة للعمل ،حتى أصبح عمل المرأة هو الحلم الذي تسعى العديد من النساء لتحقيقه
، خاصة عند من تعتقد أنه الشكل الوحيد لإثبات وجودها ، وأنه البرهان القاطع على ثقتها بنفسها وقوة شخصيتها !!
وأخريات يرينه الميدان الوحيد للانتصار على ظلم وتسلط وأنانية ووصاية و..و..و..الرجل – الزوج خاصة أو الأب أو الأخ - ،وأخريات غرهن دعوات من وعدوهن بنيل حقوقهن المسلوبة وعيش الحياة الهانئة في قصر العنكبوت على ضافتي نهر السراب !!
فأصحاب تلك الدعوات يزعمون أن المجتمع لن يعرف التقدم والرقي إلا إذا خرجت المرأة لتقف بجانب الرجل في ميادين العمل المختلفة !! فتصبح نسخة مكررةً من الرجل ، وليتنفس المجتمع برئة واحدة ، ليتمتع الجميع بحياة التطوير والتغيير !!حتى لو كان هذا التطور على حساب إثقال كاهل المرأة بوظائف جديدة في الحياة مع وظيفتها الأساس والتي هيأها الله لها !! وحتى لو كان ذلك على حساب استقرار الأسرة من زوج وأطفال ، بل واستقرار المجتمع بأسره!!
ولكل عاقل يهمه مصلحة أمته وبلده ، ولكل أخ ينادي بخروج المرأة للعمل ، وكل أخٍ ينتظر نتائج خروج المرأة ، وكل أخت تسعى لذلك أقول :
تمهلوا ، واقرؤوا صفحات حياة عمل المرأة الغربية لنستبين حقيقة الأمر ، ولنحكم بعد ذلك هل حققت المرأة الحياة الكريمة التي تحلم بها، أم حققوا هم من المرأة ما يريدون ؟ وهل كان خروج المرأة للعمل وترك واجب بيتها ، أو التقصير فيه سبباً لحياة هنيئة تعيشها تلك المجتمعات ؟ .